النص القرائي مسترسل حفل زفاف

وحان موعد زفاف الولدين إدريس ومروق بأختين من عائلة في مستوى عائلة الحاج
الفاطمي الاجتماعية ورائها المادي، وبدأت حفلات العرس الذي دام سبعة أيام،
وفي قلبه كانت (زيدة) أم مرزوق، لا تنام إلا لحظات، تأمر وتنهي الخادمات
والمساعدات، وترتب البيوت، وتحمل الموائد على رأسها مليئة بالشموع والهدايا،

وتزغرد، وتهلل، وتصلي على النبي، وترقص على الغناء والدفوف، وتضحك على النكات التي تُقال عنها، دون أن ينضب نشاطها معين.

وكان إدريس ولد (أم هاني) مع أصدقائه ووزرائه ا غارقا في ملذات العزوبة التي أشرف على
وداعها..

وفي ليلة الزفاف أقيمت له حفلة حمام ، فذهب مع أصدقائه إلى حمام الحارة الذي اكتراه ليلا للمناسبة. وبعد الحمام جاء الحلاق لتشذيب شعره علی كرسي وسط الدار، على أنغام الموسيقى وطيب الند والعود والشاي المنعنع، ونكات الوفاق والوزراء..

وجاء وقت الحناء، وقام فقيهان معروفان في المدينة بتحنئة العريس ، وبروحهما الخفيفة وكثرة فكاهاتهما، فجعنا الحناء في وعاء فضي بماء الورد وهما يتغنيان الشعر والأذكار، ومد العريس يده اليمنى فرشماها بالحناء ريالا مستديرا كالدينار في كفه ، ودعوا له بالسعد  والهناء وطول العمر .. واستمرت الحفلات..

وذهب مرزوق مع حفنة من أصدقائه المقربين إلى حمام صغير، ثم ذهبوا به بعد ذلك لبيت أحدهم حيث اجتمعوا يغنون ويعبثون.. وأرسلت أمه (زيدة) إليهم أطباق الطعام والفاكهة و(صواني) الحلوى..

وقفت (زيدة) على باب قبة (إدريس)، وجالت ببصرها على السرير المغطى   الأستار المخملية الثقيلة ، تغطيها أشتار أخرى شفافة توحي بشعور من الرفاهية والبذخ، وجالت بعينيها على المطارف والوسائد المطرزة.. كل شيء على ما يرام

وانتقلت إلى القبة التي سيدخلها فيها ابنها مرزوق علی عرسه تلك الليلة، دارت فيها هي الأخرى، ووضعت اخر اللمسات على أروقتها وحشاياها. وحين تأكدت أن كل شيء في مكانه خرجت، وأقفلت القبة خلفها، ونزلت تنتظر العروسين القادمتين.

واقتربت أصوات المزامير والطبول  والأذكار والأناشيد ، وطلقات البارود، وقرقبات (جناوة) من باب دار الحاج الفاطمي تعلن وصول العروسين، واكتظ الدرب بالمتفرجين، والسطوح بالنسوة في أبهى حللهن ، وقد أثقلتهن القفاطن والحلي  الذهبية وهن يشرأببن أعناقهن نحو الهوادج المزينة  وانطلقت الزغاريد  وهللت الخادمات بالصلاة على النبي  وتغزلن في جمال العرسين كل واحد باسمها…

كانت (زیدة) وسط المعمعة. تفتح باب الهودج لخرج عروس آبنها «مرزق»، بينما (أم هاني) تستقبل عروس ابنها«إدريس».. وصعد العروسان، كل إلى قبتها تصحبها النسوة بالشموع  والزغاريد . وفي غرفتيهما جلستان تستريحان الخدم يغسلن وجهيهما بماء الورد، ويمشطن شعورهما، وجلستا في قمصين حريريتين ، وقلبهما يخفقان في انتظار قدوم العريسين…

وفي الخارج كان موكب آخر يقترب نحو الدار .. الشموع والمزامير والأذكار تحيط بالعريسين وهما في جلابيبهما البيضاء، وحولها الأصدقاء والأحباب، ووراءهما موكب من أعيان المدينة ، وعلى باب الدار ارتفعت الأصوات مرددة .

(عباها عبها  …….والله ما خلاها)

ثم انشق ذلك عن أصوات مهيبة تنشد بلحن مؤثر :

من يعتصم بك يا
خير الورى شرفا     الله حافظه منگل منتقم

ثم رفع الفقهاء الفاتحة، ودعوا للعروسين بالسعادة والوفاء والبنين. وعادت الضوضاء تملأ الفضاء، وبدأ الصغار يدقون الدربوكات التعاريج والأكف، ويتزاحمون بالأكتاف، ويشرئبون بالأعناق نخو وسط الدار خلف العرسين.

واختبأ النسوة في الغرف وفوق الدرابيز يتفرجن على الموكب المتلاطم خلف الأقنعة والجلابيب.

وتقدمت المواكب (زيدة) وهي تهلل وتكبر وتزغرد داعية لإدريس وابنها بالرضا والسعد.. ثم التفتت إلى موكب الأصدقاء تدفعهم بلطف قائلة :

– بارك الله فيكم .. اللي جانا يجيه الخير.

وفي وسط الدار أصر الجميع على الوقوف في حلقة واسعة للغناء، ودخلت (زيدة) وسطهم تقض محركة أكتافها حركات مكهربة، ووجهها يشع بأنوار البهجة والسعادة…

أحمد عبد السلام
البقالي . (يد المحبة) مجموعة قصصية. سلسلة «القلم 4. الطبعة 1.(1973) ص .
ص: 111 – 117 (بتصرف).

تحضير النص القرائي حفل زفاف

لاتنسى التعليق ساكون سعيدا بالإجابة

إرسال تعليق

لاتنسى التعليق ساكون سعيدا بالإجابة

اضف تعليق مميز (0)

أحدث أقدم